الطبيب الداعية صاحب الهمة والروحانية العالية

0
1732

ولد في مدينة الموصل عام 1948، في منطقة باب جديدة، وهو احد احياء مدينة  الموصل القديمة، لعائلة اشتهرت بالثقافة والمواقف الوطنية الكثيرة، فوالده المرحوم إبراهيم الجلبي، صاحب جريدة فتى العراق الأشهر في مدينة الموصل، وقد عمل الشهيد وهو في سن العاشرة موزعا للصحف على دراجته الهوائية، ثم عمل فترة من شبابه محررا في صفحتها الإسلامية. وهو منذ صغره كان على موعد مع الشهادة ففي الحادية عشر من عمره استشهد اخوه الدكتور سعد الدين الجلبي اثناء ثورة الشواف، وقد كاد هو وافراد عائلته جميعهم ان يتم اعدامهم في تلك الاحداث لولا تدخل العناية الالهية في اخر لحظة.

تخرج من الإعدادية الشرقية عام 1966، ملتحقا بكلية الطب في جامعة الموصل التي تخرج منها سنة 1974، ومنذ ذلك الحين وهو يمارس عمله الانساني في خدمة المرضى والمصابين بشخصية الداعية الذي يحتسب الاجر عند الله عز وجل.

طريق الدعوة

عرف الشهيد بتوجهه الإسلامي منذ صغره، فقد انتمى للحركة الاسلامية وهو في الصف الأول المتوسط، وكان من الناشطين في العمل الإسلامي الطلابي في الإعدادية والكلية،  ويشارك في التظاهرات التي تتبناها الحركة الاسلامية ويتعرض بعض الاحيان لملاحقة الاجهزة الامنية, وذات يوم القي القبض عليه مع اخرين له وهم يعلقون بعض الملصقات في المدينة. واثناء اقتيادهم الى مركز الشرطة قام ببلع الورقة التي كانت بحوزته.

يقول عنه احد الاخوة الذين عاشوا معه في بغداد ( صاحب روحانية وصاحب همة كبيرة وكان له اداء طيب في الدعوة الى الله بدار الاطباء ولديه التزام قل نظيره بدفع سهم الدعوة حتى اكمل فترة الاقامة في العاصمة وانتقل الى الناصرية، في ذهابه وايابه يمر علينا ببغداد ويتابع امر الدعوة فهو من المميزين في هذا الجانب).

الطبيب العامل

نشط الدكتور اديب رحمه الله في العمل الخيري والطبي، خاصة بعد حرب الخليج الأولى، حيث أسس أول عيادة طبية خيرية في الموصل وذلك في جامع ذي النورين، خلال الأيام الأولى للحرب، وأمّن الدواء الضروري، وساهم في تأسيس العديد من العيادات الخيرية التي أصبحت فيما بعد ظاهرة شائعة دفعت السلطات الحكومية إلى الاهتمام بها ومتابعتها.

كما نشط في العمل الإغاثي وذلك من خلال عمله في الجمعية الخيرية التي قدمت العديد من المساعدات لاسيما الطبية بعد سنة 2003، وقد ساهم في تأسيس الجمعية الطبية الإسلامية ثم ترأسها وبقي رئيسا لها حتى استشهاده رحمه الله.

الطبيب الداعية اهتم رحمه الله في العناية بتاسيس بيت اسلامي يكون نواة صالحة في مجتمع يسير وفق منهج الله سبحانه، فحرص كل الحرص على تنشئتهم تنشئة إسلامية راسخة، إذ كان يصطحب أولاده إلى المسجد وهم صغار لم يبلغوا سن التعلم، وكان يجلب له من يعلمهم القرآن من الشيوخ والأساتذة، أو يرسلهم إلى حيث يتلقون العلم الشرعي من المشايخ؛ وقد أكمل ثلاثة من أولاده وزوجته حفظ القرآن الكريم، وكان فرحه غامرا حين علم بإكمال أحد أولاده حفظ كتاب الله، فما إن سمع الخبر توجه إلى الله عز وجل بصلاة ركعتين جماعة مع أسرته شكرا له على هذه النعمة العظيمة، وأقام حفلا دعا فيه مصلي المسجد وجيرانه وإخوانه رغم ضيق ذات اليد الذي قاساه خلال فترة الحصار الاقتصادي.

الطبيب الانسان

كان منزل الدكتور رحمه الله مفتوحا لكل زائر او مسافر قريبا او بعيدا، ولديه مكان مخصص للضيوف وفيه كل مستلزمات الراحة، وقد نزلت في ضيافة اولاده اثناء زيارتي للموصل لاكمال مضامين هذا الكتاب، وقد احسست اني بين اهلي واحبابي جزاهم الله عني خير الجزاء.

ولما حصلت الحرب على العراق عام 1991 فتح منزله للكثير من اقربائه الفارين من شدة القصف على العاصمة بغداد، وبقي في خدمتهم حتى انتهاء الحرب وعودتهم سالمين الى منازلهم.

ولاحساسه بالمسؤولية تجاه اهالي مدينته في فترة الحرب وبداية الحصار جعلته يحرص على الذهاب الى المركز الصحي بالدراجة الهوائية لعدم وجود وقود للسيارات قاطعا قرابة 10 كم يوميا في الذهاب والاياب بالرغم من ان معظم الاطباء كانوا يمتنعون عن الدوام لعدم وجود وسائل للنقل.

وصيته الى اهله

كتب في وصيته الى اسرته قائلا ( احمد الله اولا واخرا ان رزقني زوجة صالحة واولادا انقياء بررة تشفعون لي يوم القيامة ان شاء الله، فان الذنوب قد اثقلتني خاصة انني لم اعش في بيت اسلامي في مقتبل عمري كالذي انعم الله به عليكم فكنتم ذكرا طيبا يعينني اذا اصبت ويقومني اذا اخطأت ويذكرني اذا نسيت فجزاكم الله عني خيرا وجمعني واياكم في فردوسه الاعلى بعد طول حياة في طاعته).

قالوا عنه

يقول الاستاذ غانم حمودات ( الاخ اديب نشا نشاة صالحة، وعهدي به طالبا سنة 1964 او 1965 وفي وقتها كانت تبدو عليه ما يتصف به من ادب وخلق، ثم انقطع العهد به الى ان دخل كلية الطب وتخرج طبيبا واشتغل على ما اتذكر فترة في الناصرية ، ثم تخصص في طب الاذن والحنجرة، واحال نفسه على التقاعد وما كان يبدو منه في تعامله مع المرضى الا الشفقة والاهتمام ببراءة المرضى مما كان يؤلمهم وكثيرا ما كان يابي ان يتسلم اجرة العيادة، وما سمعت عنه الا الخير على كثرة ترددي عليه واتصالي انا بالناس، وكان الدين عزيزا عليه، ولحسن سمعته بين الاطباء انتخب رئيسا للجمعية الطبية الاسلامية، ولم يطل العهد فيها، اذ استشهد رحمه الله وهو خارج من عيادته، ومما يحكيه ان الدكتور وجيه زين العابدين يرحمه الله جعل احدى كريماته زوجة له وكان يقول ،، انا اعطيت ابنتي لشاب مسلم،، ).

قصة استشهاده

بدأ الوضع الامني يسوء في مدينة الموصل شيئا فشيئا مع مطلع عام 2006 وكانت موجة التهديدات تطال رجال الحركة الاسلامية وكوادرها، وكان التهديد قد وصل الى الدكتور اديب، ولكن قدر الله ان يكرمه بالشهادة، ففي يوم 12/5/2007 وعند السابعة مساء اثناء عودته من عيادته في حي المعارف استهدفه مسلح مجهول بثلاث رصاصات فارق على اثرها الحياة والتحقت روحه باذن ربها في مكان وصفه سبحانه بالقول :” ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ” ( فصلت 30 ).

ويتحدث احد اعضاء الهئية الادارية للجمعية الطبية الاسلامية عن رؤيا حسنة للدكتور اديب فيقول: (سمعت بخبر استشهاد الدكتور اديب وفي الليلة ذاتها رايت في المنام الدكتور رحمه الله وقد راني مهموما فقال لي لماذا انت مهموم؟ انا قبل ان تصل الرصاصة الى هنا – واشار الى عنقه تحت اذنه – شممت رائحة الجنة).

أترك تعليقاً

Please enter your comment!
Please enter your name here