الدعوة في مواجهة الـماكنة الاعلامية

0
30
 بقلم / الدكتور منير السامرائي

 بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..

الإعلام .. هو السلطة الرابعة، بما يملكه من أدوات ووسائل وأساليب، تساهم في صنع الحدث ثم تحليله، والتأثير في الرأي العام وإعادة تشكيله، وفي تحسين السمعة أو تشويهها، وفي مساندة جهة ورفع شأنها –بالحق أو بالباطل- أو التأليب على أخرى والحط من قدرها –بالحق أو بالباطل كذلك-. فماكنة الإعلام لا تتوقف، ونتاجها لا ينقطع.. وأخطر ما في ذلك عندما تكون  سلاحاً بأيدي الطواغيت أو أداة في حوزة المستبدين.. في مواجهة الصالحين والنيل من المصلحين.. فإذا بهم يبدعون ويبرعون في بناء الماكنة الإعلامية وبرمجتها لتحقيق “التأثير” المطلوب.

وفي هذا السياق: هذه قراءة لمشهد سخّر فيه الباطل إعلامه في المواجهة مع الحق.. إنه مشهد من التاريخ، تاريخ الدعوة، يتكرر كل حين.. وإن اختلفت الصور والسيناريوهات.. وإليك المشهد:

في بلاغ مبين، هو صدى لأمر رب العالمين لنبيه موسى-عليه السلام- وأخيه هارون (( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين.. أن أرسل معنا بني اسرائيل ))، أحس فرعون أن الأمر خطير، يهدد كيانه بالتفكيك والتدمير، فلجأ إل فذلكة إعلامية للمواجهة.. في حلقات متسلسلة مترابطة:

بدأها أولاً بالنبش في التاريخ البعيد للقائد المصلح، والتركيز على جوانب عاطفية وأخرى “أمنية” في هذا التاريخ.. عاطفياً: (( قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين ))؟. في تساؤل خبيث ينطوي على المن والأذى، والتعريض بموقف من ( تربى ) و ( لبث ) في كنف الرعاية، يظهر له –اليوم- العقوق ونكران الجميل، وهي محاولة لإسقاط جانب الوفاء من شخصية القائد.. وأمنياً: وإيغالاً في التسقيط يثير حدثاً عابراً، بعيداً عن ظروفه ومبرراته، يغمز بها سيرته، فيبرز “مستند التجريم” من ارشيف التهم الجاهزة: ((وفعلت فعلتك التي فعلت))، ليظهره “مجرماً”و “قاتلاً”، “كافراً”، ينزع عنه الإدعاء بالصلاح والدعوة للإصلاح!! فيشوه سمعته أمام الجماهير.. ولما رد عليه موسى الرد المناسب الملجم بالحجة البينة ((قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين)).. فالإسلام يجبّ ما قبله.. انتقل إلى اسلوب آخر في المناظرة.. إنها محاولة ضرب “المرجعية” التي تستند إليها الرسالة، بأسلوب اعلامي مفضوح في مهاجمة الحق وأهله: ((قال فرعون وما رب العالمين))؟ فيتلقى إجابة واضحة قاطعة ((قال رب السموات والأرض وما بينهما.. إن كنتم موقنين)).. ولما لم يكونوا”موقنين”-إذ اليقين يتطلب عقلاً متفتحاً ونظراً عميقاً- لجأ إلى التهكم واستثارة عواطف الملأ وإثارة دهشتهم ((قال لمن حوله ألا تستمعون))؟؟ اسمعوا لهذا الهراء –حاشاه-.. إنه جنون ((قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)).. إنها تهمة عقلية يتوارث إلصاقها بالمصلحين كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.. هذا الرسول قد فقد عقله، ويتكلم –نيابة عنكم- في تاريخكم وتاريخ آبائكم ((قال ربكم ورب آبائكم الأولين)).. أرأيتم جنوناً أكثر من هذا؟؟

فلما لم تنجح هذه المناورات والمحاولات اليائسة في النيل من العقيدة وتسقيط الداعين إليها، ما كان له إلا أن يعود إلى غطرسته وطبيعته الاستكبارية، فلم يبق في جعبته إلا سيف التهديد والوعيد ((قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين))، فالمعتقلات والسجون هي الحل في كتم الأصوات وكبت الحريات وإسكات الدعاة..

وبعد جولة المناظرة والتحدي بين الآيات المعجزة من طرف، وبين مظاهر السحر الذي يسترهب الناس من الطرف الآخر، كانت الغلبة فيها للحق، استجاب العقلاء من بني اسرائيل لدعوة الحق والخروج مع نبيهم إلى الميقات المعلوم.. إلى أرض الحرية والانعتاق..

ولكن.. هل انتهت القصة عند هذا الفصل؟؟ كلا، لقد امتلأ صدر فرعون بالغيظ والشحناء من النتيجة.. كيف يسكت على هذه النهاية المهينة؟!! فلا بد لماكنة الإعلام أن تنشط، ولا بد من تحريك “الذباب الاليكتروني” ليتابع مسيرة الناجين من حكمه وتسلطه: ((فأرسل فرعون في المدائن حاشرين)) ويلقنهم رسائل إعلامية في التحريض عليهم والتشهير بهم ((إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون)) يثيرون اشمئزازنا وينغصون علينا حياتنا.. ثم ينفخ فيهم روح الحذر من الخطر الداهم… فالتجمع ضدهم استراتيجية متينة في المواجهة ((وإنا لجميع حاذرون))، فخطر الشرذمة يتهدد الجميع، ولا بد من “تحالف” يجمع كل الحاذرين، يتصدى للخطر ويقطع الخبر.. فهيّا نتبع الأثر.. ولكن إلى أين؟؟